السبت، 1 يونيو 2013

ميلاد جديد للزمن

ميلاد جديد للزمن
حوار: تام هنت
من أعمال سلفادور دالي

ما الزمن؟ إذا لم يسألني أحد، فأنا أعرف ما الزمن. أما لو أردت أن أشرح لسائل، فأنا لا أعرف. هكذا قال القديس أوغسطين.
الزمن كالماء للسمك. ونحن غرقى فيه إلى حد أنه من الصعب للغاية أن نفكر فيه إلا بوصفه تمام خبرتنا المعاشة. ومع ذلك شهدت القرون القليلة المنصرمة جهودا منظمة لتبيان أن خبرتنا المعاشة بالزمن ما هي إلا وهم مطلق!
ولكننا عندما نتعمق حتى أدق التفاصيل والحقائق يبدو لنا أن هناك شيئين فقط نعرفهما على وجه اليقين: أن هناك وعيا هنا والآن، وأن هذا الوعي يتغير. عملية التغير هذه هي التي نسميها "الزمن". وكل ما عدا هاتين الحقيقتين الأساسيتين من حقائق الواقع لا يعدو ـ حرفيا ـ محض استنتاجات يخلص إليها كل واحد فينا وهو يعيش من لحظة إلى لحظة.
فكيف تأتى إذن أن صار أغلب علماء الفيزياء في يومنا هذا يؤمنون بأن الزمن وهم؟ حسن، تلك قصة جيدة يتعمق في أدق تفاصيلها كتاب "لي سوملين" الصادر مؤخرا بعنوان "ميلاد جديد للزمن". سمولين منظّر فيزيائي أمريكي، وباحث، ومؤسس معهد بيريميتر للفيزيائيات النظرية  في ووترلو بكندا وأستاذ مساعد الفيزياء بجامعة ووترلو. أصدر من قبل عددا من الكتب من بينها "مشكلة الفيزياء" في 2006 وهو نقد مسهب لنظرية الوتر وللنزوع إلى التفكير الجماعي في مجال الفيزياء اليوم [والتفكير الجماعي ظاهرة سيكولوجية تحدث حينما تميل بجماعة من الناس رغبة في التناغم والانسجام إلى الانحراف عن التفكير السليم ـ من ويكيبديا].
في كتاب سمولين الجديد فيض من الأفكار الكبيرة المعروضة في وضوح ورأفة. فما يبتغيه سمولين هو أن يفهم ـ ويساعدك أيها القارئ المهتم على أن تفهم ـ أسئلة الفيزياء الكبيرة اليوم. فالفيزياء في نهاية المطاف ليست موصدة على الفيزيائيين. إذ أن موضوعها ـ لو تعمقنا في تفاصيلها ـ هو طبيعة الواقع ومكاننا فيه. ولهذه الأسباب فإن "ميلاد جديد للزمن" يمثل بالدرجة الأساسية كتابا فلسفيا بل وروحيا وإن خلا من التهويمات woo woo، أو لنقل إن في نهايته منها قدرا بسيطا، لو اعتبرنا مناقشة طبيعة الوعي من جملة التهويمات.
كتاب سمولين كتاب نادر حقا: فهو سهل موجه للقارئ العادي مثلما هو موجه للفيزيائيين، وهو أيضا كتاب يقدم نظريات جديدة وجريئة. وفوق ذلك كله، فإن سمولين يشير صراحة وعلنا، وبحجج قادرة على الإقناع، إلى أن كثيرا من الفيزياء الحديثة إما منقوص أو خاطئ. وتلك حمولة ثقيلة، ولكنه لها.
لقد سبق أن كتبت، بوصفي متخصصا في فلسفة العلم، عن تخوفاتي من الرؤية الشائعة للزمن بوصفه وهما، كما كتبت اعتراضاتي على نظرية النسبية. وسمولين يتحرى السياسة في كتابه عندما يقترب من هذا الموضوع، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن الرؤى السائدة حول طبيعة الزمن ونظرية النسبية بحاجة إلى شيء من التصحيح.
يكتب سمولين كتابه هذا كأنما يروي حلما، ولكن بنبرة صائبة إلى أقصى حد بالنسبة لشخص يريد أن يغير الآراء في عدد من القضايا الكبيرة بحق. وإنه لمن دواعي سروري أن أحاور سمولين من خلال رسائل أبعثها عبر البريد الإلكتروني إليه في بيته بتورنتو، بعد اطلاعي على نسخة مطبوعة للمراجعة من كتابه وشيك الصدور.
***
لي سوملين
ـ هل من سبب يجعلنا نحفل أصلا بالزمن؟ هل للنظريات المختلفة المتعلقة بالزمن تأثير حقيقي ذو بال على حياتنا؟
ـ طريقة تفكيرنا في المستقبل وفي الماضي هي التي تحدد كل شيء في طريقة تفكيرنا في وضعنا بوصفنا بشرا. هل الحرية والقوة والإرادة والاكتشاف والاندهاش، هل هي حقيقية؟ لو أن الزمن وهم فهي كلها أوهام، وكذلك كثير جدا من الخصال البشرية التي نحتفي بها.

ـ اشتهر عن أينشتين قوله إن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ما هو إلا "وهم يصر عليه العناد". لماذا في تصورك تحظى فكرة وهمية الزمن بهذه الجاذبية بين علماء الفيزياء وعوام الناس على السواء؟ خاصة وأن الزمن ـ كما تكتب أنت ـ أحد أكثر الأشياء التي نعرفها حقيقية. وخاصة أننا، بوصفنا بشرا واعين، لا يمكن أن نوجد ما لم نوجد في الزمن، وأن كل شيء مما يحيط بنا يشير إلى وجود الزمن. ومع ذلك ففكرة وهمية الزمن مكتسحة.
ـ الجزء الأول من الكتاب يستهدف إجابة هذا السؤال. وهو سؤال وجيه. وجزء من الإجابة يتمثل في ميل شائع للغاية إلى احتقار المتغير والمؤقت والإعجاب بالأشياء التي نتصور أنها لازمنية. وإن لدى البعض منا رغبة في التسامي على العالم المحكوم بالزمن الذي نعيشه مباشرة إلى خيالات الجمال والحقيقة الأبديين.

ـ إلى أي مدى ينبغي لخبرة البشر بالزمن أن تكون عنصرا فاعلا من عناصر الفيزياء؟
ـ يذهب الكتاب إلى أن خبرتنا بالزمن في تدفقه من لحظة إلى لحظة ليست وهما ولكنها أحد أعمق المفاتيح التي بين أيدينا لمعرفة طبيعة الواقع.

ـ يقال إن كثيرا من قوانينا الفيزيائية "قابلة للانعكاس الزمني" time-reversible بمعنى أن المعادلات تستقيم فيها سواء كان الزمن يسير إلى الأمام أم إلى الوراء. يعتبر كثير من الناس أن ما تقوله هذه المعادلات هو من قبيل "انظروا، الزمن قابل للانعكاس! الزمن وهم، لا وجود للإرادة الحرة" ولكن هذا يتجاهل بالطبع أن الكون الذي نعيش فيه هو أحادي الاتجاه بالكلية، فنحن نتقدم من الحاضر إلى المستقبل، ونحن نتذكر الماضي. ولا شيء في كوننا يتقدم من الحاضر إلى الماضي في حدود ما نعلم. ومن ثم تكون هذه المعادلات خاطئة في قابليتها للانعكاس الزمني لأنها بهذه الطريقة لا تصف العالم الذي نعيش فيها وصفا كاملا. لماذا يشيع بيننا الخلط بيم نماذج الواقع المنقوصة والواقع نفسه؟
ـ أذهب في الكتاب إلى أن القوانين ذات القابلية للانعكاس الزمني التي نراقب أفعالها هي قوانين تقريبية وأن هناك قوانين أكثر أساسية وهي الأخرى ذات قابلية للانعكاس الزمني. هذا التفسير يبدو أفضل لسهام الزمن من التفسير المعياري، الذي يفترض اضطرارا أن الكون بدأ في حالة أولية هي غير محتملة إلى حد بعيد.
ولن أحاول الإجابة على تساؤلك الأكثر عمومية. كلنا في النهاية نبذل أقصى ما في وسعنا مع ما لدينا من نظريات  ونماذج.

ـ الرؤية السائدة اليوم للزمن هي أنه وهم. ثمة عنصر أساسي في هذه الرؤية يتمثل في فكرة أن سرعة الضوء مطلقة، وهو افتراض نظرية أينشتين للنسبية الخاصة. الرؤية السابقة كانت ترى أن المكان والزمان مطلقان، ولكن أينشتين قلب هذه الافتراضات، جاعلا سرعة الضوء مطلقة لدى جميع المراقبين بغض النظر عن حركتهم بالنسبة لسرعة الضوء. هذا القلب للافترضات يستوجب أن يكون المكان والزمان مطواعين، لأن سرعة الضوء بالطبع، وبحكم التعريف، تساوي المسافة (أي المكان) مقسومة على الزمن. ولننح جانبا بصفة مؤقتة أي جدالات في نظرية النسبية، ولنسأل، لماذا تكون سرعة الضوء مطلقة؟ ما من سرعات أخرى مطلقة، أعني أن جميع السرعات الأخرى تتغير في علاقتها بسرعة المراقب، ومن هنا طالما بدت هذه الفرضية غريبة بالنسبة لي.
ـ النسبية الخاصة ناجحة نجاحا كبيرا، وافتراض أن سرعة الضوء ثابتة أو مطلقة أمر مختبر تماما. قد يكون كل ذلك خطأ في النهاية ولكنه مقاربة جيدة جدا للواقع. وهذا موضوع يناقشه الكتاب بالتفصيل. ونحن أيضا نعمل على إطلاق موقع إنترنت لنشر ملاحق تقدم مزيدا من تفاصيل بعض المواضيع ومن بينها النسبية الخاصة. وحتى لو حدث في نهاية الأمر أن تم تجاوز النسبية الخاصة، سوف تبقى تجربة جميلة عند فهمها.

ـ تناقش في كتابك بعض التوتر القائم بين نظرية الكم والنسبية الخاصة، ومن بين ذلك حقيقة أن نظرية الكم تتطلب فيما يبدو نوعا من التعليل causation المجاوز superluminal  لسرعة الضوء. ألا يشكل هذا الدليل ـ الذي يوصف عموما بـ"اللاموضعية nonlocality" ـ تخطئة تجريبية للنسبية الخاصة؟ أو على الأقل تخطئة كافية للتحفيز على إعادة النظر الجدية في صلاحية النسبية الخاصة؟
ـ هذه قضية بالغة الدقة، والكتاب يناقشها. هناك يقينا توتر بين نسبية التزامن واللاموضعية في نظرية الكم، ولكنه لا يبلغ من القوة في ذاته ما يكفي لتخطئة أي من الجانبين. الصحيح هو أنه "لو" قرر شخص أن هناك تفسيرا حاسما لما يتسبب في نتاجات عمليات كمومية، فإن بعض الفيزيائيين ومن بينهم أنطوني فالنتيني يقترحون أن هناك خرقا لنسبية التزامن. ولكنك إن كنت راضيا عن عدم التحديد الكمومي فلن تكون هناك مشكلة في المصالحة بينهما.

ـ يحفل كتابك بتحطيم لذيذ للأيقونات، يتم من خلال مجادلة مخلصة ولينة، وواضحة كثيرا. تذهب بصفة جوهرية إلى أن كثيرا من الفيزياء الحديثة قد أغارت عليه أفكار ونظريات مغلوطة! وأنا أعرف أنه من الصعب على أحد أن ينتقد النسبية الخاصة وتتم معاملته بجدية كعالم فيزياء أو كفيلسوف. ولكنك تتعرض مع ذلك لهذه البقرة المقدسة، وبقرات مقدسة كثيرة في الحقيقة، من أبقار الفيزياء الحديثة. ويتم التعامل معك بمنتهى الجدية كعالم فيزياء. فهل ترى أن هناك فسحة جديدة لأفكار جديدة ترى الزمن بوصفه حقيقيا؟ هل تستشعر أن زملاءك الآن ربما يكونون أكثر استعدادا عما كانوا عليه في السنوات الماضية لأفكار جديدة تتجاوز أو حتى تعارض النسبية العامة والخاصة؟
ـ أولا، النقد الذي أوجهه لنظرية النسبية محدد للغاية، ويقبل بالنجاحات التجريبية لنظرية أينشتين العامة والخاصة للنسبية. فأنا على سبيل المثال أصف ديناميكا الشكل shape dynamics وهي طريقة جديدة للمصالحة بين وجود زمن مفضّل يجري الإحساس به على مستوى الكون بوصفها كلا واحدا، وصلاحية مبدأ النسبية على مستويات أصغر.

ـ قلت من قبل إن قوانين فيزيائية معينة مما نعرف قد تكون ثمرة "انتخاب طبيعي كوني" ناجم عن خلق الثقوب السوداء أكوانا جديدة، ذات قوانين مختلفة اختلافات طفيفة عن القوانين السارية في الكون الحاوي للثقب الأسود المنشئ. لهذه النظرية عدد من المزايا التي تصفها في كتابك الجديد عاقدا مقارنات بينها وبين نظريات بديلة. ومع ذلك، وعلى مستوى أساسي، لماذا تكون هناك أكوان جديدة تتشكل عبر الثقوب السوداء؟
ـ تتنبأ النسبية العامة بانتهاء الزمن في ثقوب سوداء لأن الانهيار الجاذبي يعصر المادة حتى تكون على كثافة لامحدودة. ومع ذلك، فإن هناك فتراضا قديما يقول إن الآثار الكمية تحول دون حدوث هذا، متسسبة في "وثبة bounce " تتوقف عندها المادة عن التقلص وتبدأ في التمدد. ويخلق هذا في الكون منطقة تمدد جديدة لا تمكن رؤيتها من خارج الثقب الأسود. فمن الممكن تسميتها كونا جديدا. وهذا السيناريو يجد دعما كبيرا من دراسات النماذج الرياضية للآثار الكمية للثقوب السوداء من الداخل.

ـ ولماذا يطرأ تغير طفيفي على قوانين كل كون جديد بعد ميلاده من ثقب أسود؟
ـ لأنني يمكن أن أطرح هذه الفرضية بدون أن أعارض أي شيء معروف، ولأن افتراضها يثمر عن احتمالات مثيرة.

ـ تذهب إلى أن "مبدأ العلة الكافية" الذي قال به لايبنتز ينبغي أن يكون معيارا أساسيا للنظريات الجيدة. هذا المبدأ ينص على أن كل ما هو حقيقي لا بد أن يكون وراءه سبب، ولا بد أن يكون له بالتالي مكافئ في نظرياتنا. لكن أليس من الصعب بعض الشيء أن نحدد ما يجدر أن يكون "علة"؟ وعلى سبيل المزاح، يمكننا القول بأن القمر يبدو رماديا مائلا إلى البياض لأنه مصنوع من الجبن، وهذه علة، كل ما هنالك أنها على رديئة. كيف لنا أن نستخدم هذا المبدأ بطريقة يعتمد عليها؟
ـ لايبنز يعني العلة بمعنى تفسير الداعي إلى أن للكون سمتا معينا في حين كان يمكن أن يكون له سمت آخر. القضية الكلاسيكية التي يناقشها الكتاب هي لماذا لم يتم خلق الكون على بعد عشرة أمتار إلى اليمين أو قبل عشر دقائق. لأنه لا شيء في الكون الفعلي كان ليتغير بموجب هذين السيناريوهين يخلص لايبنتز إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك معنى للموضع أو الزمن المطلقين.

ـ وضع هندريك لورنتس ـ وهو مستشار لأينشتين ـ "تحويلات لورنتز" وهي الشق الرياضي الكامن وراء نظرية أينشتين في النسبية الخاصة ونظرية لورنتز نفسه في النسبية. نظرية لورنتز ـ التي تعد غير قابلة للتمايز إمبريقيا عن النسبية الخاصة ـ ليست مقبولة على نطاق واسع لأنها تعتمد على نسخة من الزمان والمكان المطلقين. غير أن ديناميكا الشكل، وهي النظرية التي تناقشها في كتابك وتحابيها، تبدو كإعادة تفسير للنسبية العامة على نحو يمثل نسخة من نظرية لورنتز في النسبية من حيث أنها تعتبر الزمن أساسيا؟ هل يمكن النظر إلى ديناميكا الشكل بوصفها تعميما للنسبية اللورنتزية؟
ـ لا، لأن الزمان المفضل في ديناميكا الشكل ليس مطلقا، إنما هو يتحدد ديناميكيا كنتيجة لتوزع المادة والمجالات في الكون.

ـ الرؤية العامة في فلسفة العلم هي أن النظريات الجديدة التي تحظى بالقبول لا تحظى به لأنها تتجاوز لا لأنها تحل محل تصور قديم، فنظرية النسبية العامة لأينشتين مثلا لم تخطّئ الجاذبية النيوتينية بل تتجاوز نيوتن بتبيانها أن نظرية الجاذبية النيوتنية هي حالة محدودة من نسبية أينشتين العامة. ومع ذلك، تحل في بعض الأحيان نظريات جديدة محل نظريات أخرى لمجرد أن هناك بالطبع عددا لانهائيا من النظريات المحتملة لتفسير أي مجموعة من البيانات ولأن النظريات الجديدة في بعض الأحيان تكون ببساطة أفضل في شرحها للبيانات، فعلى سبيل المثال، حلت رؤية كوبرنيكوس بمركزية الشمس في النظام الشمسي محل نظرية بطليموس بمركزية الأرض، وسبب ذلك أنه ـ برغم أن نموذج بطليموس كان يقدم إيضاحا عالي الدقة للبيانات ـ إلا أنه كان الأكثر منطقية هو الذهاب ـ كما فعل كوبرنيكوس ـ إلى أن الشمس في الواقع هي في مركز النظام الشمسي لجملة متنوعة من الأسباب. وأنت تنتقد النظرية العامة من بعض الأوجه في كتابك، ولكن تقول أيضا إن أغلب النظرية له جدارته. فهل يمكن، برغم ذلك، أن تكون بالنظرية حاجة إلى تغيير كامل في الثياب، حتى وإن كانت تؤدي إلى الكثير من التنبؤات الصحيحة، شأن رؤية بطليموس للنظام الشمسي؟
ـ هذا النوع من الأسئلة هو الذي يجد أفضل إجاباته بأثر رجعي. فلننتظر ونرى ما الذي سوف يحدث.

ـ أكره أن أسخر من أينشتين لأنه كان من نواح كثيرة رجلا عظيما: عالم فيزياء عظيم، مصلح عظيم، وبالجملة إنسان عظيم. ولكنني أتفق مع النقاط الأساسية في كتابك ـ أن رؤية أينشتين القائلة بأن الزمن وهم ليست خطأ وحسب ولكنها خطأ بالغ الضرر بسبب العواقب التي تستتبع حتما وهمية الزمن: فتكون الإرادة الحرة وهما، ويمكن القول أيضا بأن الوعي الإنساني يصبح وهما لأننا لا نستطيع التوفيق بين الاعتقاد بوهمية الزمن والسريان الواضح للزمن الذي يشكل أساس الوعي الإنساني.
فاسمح لي أن أسخر قليلا من أينشتين وأسألك هذا السؤال: تكتب في صفحة 56 من كتابك أن أينشتين أوضح أن التزامن نسبي. ولكن القول بنسبية التزامن لا يتأتى إلا وجوبا من فرضيات أينشتين (بأن سرعة الضوء مطلقة في حين أن قوانين الطبيعة نسبية). وإذن فهو في حقيقة الأمر لم يثبت أن التزامن نسبي، بل افترض ذلك. ففيم أخطأت هنا؟
ـ نسبية التزامن هي نتيجة فرضيتين افترضهما أينشتين وهي مستخلصة من الفرضيتين. ولكن الفرضيتين ونتائجهما مرت بعد ذلك باختبارات تجريبية، وتثبت حتى الآن جودتها.

ـ أنت تعترض على الأفلاطونية، أي الفكرة القائلة بأن واقعنا صورة منعكسة فاسدة لواقع مثالي لازمني، وأنا أميل إلى موافقتك. ولكن تذكر أو تلمح كثيرا أن القوانين "ترشد: النتائج الفيزيائية. وهذا يبدو لي نكوصا إلى الأفلاطونية. أليس من الأفضل النظر إلى القوانين بوصفها ابتكارات بشرية قائمة على ملاحظات لأعمال في الكون المحيط بنا؟ وهذه الأعمال جزء من تركيب الكون نفسه.
ـ أرجوك دعنا نتحل هنا بالحرص الشديد. عندما نفترض نحن البشر أن هذا القانون من قوانين الطبيعية سارٍ ـ ولو مؤقتا ولو ظرفيا ـ فنحن نخلق فكرة، ولكننا ننتج أيضا فرضية عن كيفية عمل الطبيعة، ولا علاقة لصدق هذه الفرضية أو أو نفعها بما نعرفه أو بما نؤمن به.

ـ رجوعا إلى فلسفة العلم، عندي فضول أن أعرف ما إذا كنت أنت أو غيرك قد فكرتم في وضع تطور النظريات العلمية في ضوء الانتخاب الطبيعي الميمي memtic. هناك نظريات عديدة حول طريقة حدوث تغير العلم، ولكن في حدود معرفتي، لم يقم أحد بعمل أي دراسة مفصلة تختبر وتخطّئ نظريات التغير الميمي في العالم الواقعي. هل يمكن عمل هذا؟ هل يفيد في فهم أفضل لكيفية وقوع التقدم العلمي؟
أتذكر وأنا طالب في الكلية أني سمعت كواين Quine وغيره يناقشون مناهج تطورية لدراسة الإبستمولوجيا، ولكنني لم أفكر في الأمر بجدية منذ ذلك الحين.

ـ رؤيتك للكون بوصفه غير قائم على الحتمية indeterministic  ـ خلافا للرؤية السائدة بأن كل الأشياء محددة ـ هي رؤية قائمة جوهريا على رؤيتك لقوانين الفيزياء بوصفها دائمة التغير. ما مدى أهمية فهمك أننا والكون الذي نعيش فيه أحرار في نهاية المطاف في اختيار مسارنا، ما مدى أهمية هذا الفهم كمكون من مكونات رؤيتك للعالم؟
ـ على المستوى الشخصي، أصبحت مغرما بهذه الرؤية. وأجد فيها نوعا من العزاء يعوض إلى حد كبير ما ضاع إثر رفض عزاءات الدين وعزاءات الطموح إلى التسامي إلى واقع لازمني.

ـ في ختام كتابك تشطح بعيدا عن الفيزياء، فمن بين ما في الختام، تأملات في طبيعة الوعي.  فتناقش وتحابي ديفيد تشالمرز وكان من أشهر القائلين بوحدة النفس (أي متبنيا لرؤية قائلة بأن كل الأشياء تشترك في عقل واحد/ذات واحدة). كما تناقش لايبتز وسبينوزا وبايرس، وجميعهم من القائلين بوحدة النفس وإن بتنويعات مختلفة (انظر ديفيد سكربينا في "وحدة النفس في الغرب"). هل يروق لك أن تنتهز الفرصة وتطلق لنفسك العنان كأحد القائلين بوحدة النفس؟
ـ كتبت وأنا في الكلية مقالة طويلة عن مشكلة العقل/الجسم اخترعت فيها بنفسي فكرة عرفت لاحقا أنها تنويعة على وحدة النفس panpsychism. وهي معروضة في صفحة 270 من "ميلاد جديد للزمن" على النحو التالي:
"مشكلة الوعي مظهر من مظاهر سؤال هو: ما العالم في حقيقته؟ نحن لا نعرف ماذا تكون الصخرة في الحقيقة، أو الذرة، أو الإلكترون. كل ما نملكه هو أن نراقب تفاعلها مع غيرها من الأشياء ونصف من ثم خصائصها العلائقية. ربما تكون لكل شيء مظاهر داخلية وخارجية. المظاهر الخارجية هي تلك التي يمكن للعلم أن يدركها ويصفها من خلال التفاعلات وفي ضوء العلاقات. المظاهر الداخلية هي الجوهر، هي الواقع الذي لا يمكن التعبير عنه بلغة التفاعلات والعلاقات. والوعي، مهما تكن ماهيته، هو مظهر لجوهر المخ الداخلي".
وهذا أقصى ما أريد الذهاب إليه الآن في قضية لا أعرف أدبياتها جيدا ولم أفكر فيها بالقدر الكافي.

ـ أخيرا، كتبت أن هناك حاجة إلى مقاربة جديدة تماما للفيزياء، وأنه من الضروري إقصاء الرياضيات قليلا لصالح مقاربات مفاهيمية للفيزياء، ولكنك لا تقدم بديلا! أهذا هو كتابك القادم؟
ـ أختلف معك. إنما أناقش مقاربات بديلة للفيزياء بالتوازي مع جميع المبادئ التي أقترحها. ولأنني عالم فالمقاربات التي أقترحها تنشأ على شكل استكشافات للنماذج والفرضيات. ومن بين المقاربات التي يناقشها الكتاب الانتخاب الطبيعي الكوني، ومبدأ الأسبقية، والتأويل التجميعي الحقيقي لنظريات الكم، وكذلك ردود الأفعال على ورطة الميتاقوانين metalaws  التي أصفها، ومنها فكرة كونية الميتاقوانين واندماج مفهوم الحالة والقانون. وكل هذه كانت مواضيع أبحاث علمية مذكورة في هوامش الكتاب.


الجزء المظلل من النص حذف من النسخة المنشورة ورقيا لشكي في دقة ترجمته، أرجو تفهمكم، ومساعدتكم لو أمكن


الأجزاء المظللة من النص حذفت من النسخة المنشورة ورقيا لشكي في دقة ترجمتها، أرجو تفهمكم، ومساعدتكم لو أمكن


نشر الحوار في 17ابريل 2013 ونشرت الترجمة اليوم في جريدة عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق