السبت، 17 نوفمبر 2012

لأننا لسنا ديونا حية



من يطالع موقع "سترايك ديبت" strikedebt الإلكتروني سوف يجد نفسه وجها لوجه أمام هذه الكلمات:
أغلبنا، من الأفراد، والعائلات، وشتى المجتمعات، غارقون في الديون. أغلبنا مدينون لوول ستريت. وسبب ديوننا ليس إلا احتياجاتنا الأساسية اللازمة للحياة، كالسكن والتعليم والرعاية الصحية. وحتى غير المدينين منا بصفة شخصية يتأثرون بسياسات الإقراض القائمة على النهب. فالخدمات العامة الضرورية تتقلص بسبب وقوع مدننا وبلداتنا أسرى لدى نفس البنوك الضخمة التي ضخت حكومتنا الأموال الطائلة خلال السنوات الأخيرة لإنقاذها من الإفلاس.
نحن لسنا قرضا. وحركة "إضراب الدين" Strike Debt تكوَّنت نتجية لتحالف بين عدد من مجموعات "احتلال وول ستريت"، وتكونت بهدف مقاومة جميع أشكال الديون المفروضة علينا من البنوك. إن الدين يشعرنا بالعزلة والعار والخوف. وإننا نكوّن هذه الحركة لنتحدى من خلالها هذا النظام، وذلك بإيجاد بدائل له وبدعم بعضنا لبعض. إننا نريد اقتصادا تتوجه القروض فيه لأصدقائنا وأسرنا ومجتمعاتنا، لا إلى الـ واحد في المائة فقط.
مقاومة الدين هي البداية فقط. فانضموا إلينا في العالم الجديد الذي نتخيله، العالم القائم على المنفعة العامة، لا على تكدس الأرباح في وول ستريت.
إن حركة "إضراب الدين" ملتزمة بضمان تدفق النقود التي نجمعها إلى مشاريع طويلة الآجال تبني المجتمع وتقاوم الواحد في المائة. ومن بين المبادرات التي تحتويها الحركة "دليل أعمال مقاومي القرض" و"اليوبيل الدوار"، وما هو أكثر.
حول هذا الموضوع أجرت "إن ذيس تايم" هذه الجلسة النقاشية.
***

لأننا لسنا ديونا حية
هل يكون إضراب الدين هو مستقبل حركة الاحتلال؟

ريبيكا بيرنز



ريبيكا بيرنز

برغم أن خيام حركة "احتلال وول ستريت" تفككت، إلا أن الكثيرين من منظمي الحركة يعتقدون أنهم عثروا على الخيمة الكبرى التي يمكن في ظلها أن تتشكل مرة أخرى وجديدة هذه الحركة التي تبلغ من العمر عاما واحدا: تلك الخيمة هي خيمة الدين.
في الذكرى الأولى لـ"احتلال وول ستريت"، قام أعضاء من الجماعة بتوزيع خمسة آلاف نسخة من "دليل أعمال مقاومي الدين".
إن الدين ـ حسب ما يقول "المحتلون" ـ وسيلة جديدة لفهم الفاصل بين التسعة والتسعين في المائة والواحد في المائة. في الوقت الذي تبقى فيه الأجور على حالها وترتفع تكلفة المعيشة، يقوم العاملون بتمويل حياتهم اليومية بعجز يتزايد يوما بعد يوم. ويقدر أن خمسة وسبعين في المائة من الأسر اليوم مدينة بقدر أو بآخر. والمشكلة أعمق حتى من هذا: فالدائنون ـ الذين يتراوحون ما بين مانحي القروض منخفضة القيمة وحتى صندوق البنك الدولي ـ لديهم المقدرة على إلزام المدن والولايات بل والدول نفسها على رفع أيديها عن احتياجات ضرورية للحصول على ورقاتها النقدية الموعودة.
هل بوسع هذا الفرع الجديد من "احتلال وول استريت" أن يبث الروح في الحركة؟ للإجابة على هذا السؤال نظمت "إن ذيس تايم" هذا الحديث عن آفاق ثورة المدينين واحتمالات ردود فعل الدائنين. وقد شارك في الحديث كل من "بام براون" من منظمي "إضراب الدين"، و"جودي دين" أستاذة العلوم السياسية بكلية هربرت آند وليم سميث، و"مايك كونكزال" زميل معهد روزفلت، و"بيتر راف" منظم مجموعة عمل "احتلال وول ستريت للتضامن البيئي"
***

من مظاهرات شهدتها هوليود بكاليفورنيا في سبتمبر الماضي للمطالبة بإلغاء ديون الطلبة
ـ أغلب أعضاء حركة الاحتلال يبدون عازفين عن تطتيل الحركة حول قضية واحدة شاملة. ما الفائدة المحتملة من التركيز على الدين؟
جودي: قضية الدين جزء أصيل في أجندة التقشف. فالدين، سواء كان ديننا الوطني الذي لا حد لعمقه أو ديننا الشخصي الثقيل على أكتافنا، يشير ضمنيا إلى إرادة شديدة الضعف لا تقوى على التضحية بملذات الحاضر من أجل فوائد في المستقبل. وفي بلد لا يرحم الضعف بل يعاقبه، بل إن الضعف يستنفر ضد نفسه نوعا من القسوة، فإن الدين يمنح الجمهوريين ـ والديمقراطيون بالمناسبة يسابقون أنفسهم في الطريق إلى اليمين ـ فرصة بإيلام الـ "47 في المائة" بتقليل الخدمات الضروية. ومن هنا فإن خطوة  "إضراب الدين" التي تتخذ من الدين قضية لها هي تغير مطلوب من جانب اليسار.
بيت: سيكون من الخطأ أن نفهم حركة "احتلال وول ستريت" بوصفها حركة أحادية القضية تركز على الدين. فمجموعة عمل "احتلال وول ستريت للتضامن البيئي" تساعد في التنسيق بين حركات مختلفة تناهض جميعها العدوان الاستهلاكي على البيئة. ولكن هناك علاقة بين استغلال الكوكب واستغلال الناس، والدين عدسة تنفعنا في رؤية هذه العلاقة. إن السؤال الذي نطرحه من خلال تركيزنا على الدين هو "من يمتلك من؟". نحن جميعا لنا حق في المستقبل، ولكننا لن نحصل على مستقبل ما بقينا راضين بتفويض وول ستريت في تمويل الاستثمارات التي تحول بالفعل هذا الكوكب إلى حطام.
***
ـ ما التحديات التي تواجه تجميع الناس بوصفهم مدينين لا بوصفهم عمالا، أو نساء، أو بأي صفة من الصفات التي سبق وكانت أساسا للحركات الشعبية؟
جودي: الطبيعة الفردية  للدين تجعل اتخاذ رد فعل جماعي عليه تحديا هائلا. خلافا للمصنع، حيث يلتقي العمل ببعضهم البعض بصفة يومية، يراكم المدينون الدين، ويواجهون شبح العجز عن السداد، وكلٌّ منهم على حدة. وقد يكون من المطمئن للمرء أن يشعر أن الجميع معه في نفس القارب، ولكنها طمأنينة لا تغير من حساب الدين نفسه. ولأنه غالبا ما يكون من الصعب اكتشاف من المدين حقا، فلسوف يكون من الصعب تنظيم المدينين وتوجيه أفعالهم.
بام: صحيح تماما أن تجميع الناس على أساس الدين أصعب بكثير من تجميعهم على أساس المظالم التي تواجههم في أماكن العمل. ولكن هذا هو السبب الذي يجعل من تكوين حركة مقاومة على أساس الدين أمرا في غاية الأهمية، خاصة مع تراجع قوة العمل.
لقد حدث خلال الفزع الأحمر [حينما كانت الولايات المتحدة تخشى انتشار الشيوعية] أن اعتبر الدعم الفدرالي لتمليك البيوت مكونا حيويا من مكونات مشروع مقاومة النفوذ السوفييتي. في حين لم يوجد أي شيء أطول من رهن عقاري لمدة خمس سنوات قبل الكساد الكبير، ازداد تملك البيوت بشدة بمجرد أن ضمنت الحكومة القروض الممنوحة لبناء البيوت وشرائها. وظهر نظام الرهن العقاري لمدة ثلاثين سنة، وكان في ذلك العهد أن قل تماما احتمال مشاركة مالك بيت مثقل بسنوات من الرهن العقاري في إضراب.  ولذلك فإن تصاعد حالة المديونية التي نعانيها، وإتيانها على قدرتنا على العمل الجماعي، كانت من جوانب كثيرة أثرا لقوة تضامن العامل.
***
ـ إذن كيف ينبغي أن يكون شكل رد الفعل الجماعي على الدين؟
مايك: على الرغم من أن لغة "إضراب الدين" مهمة ومحفزة، إلا أن هناك عددا من المشكلات التي سوف يواجهها الامتناع عن تسديد الدين للدائنين.
في إضراب بمصنع مثلا، يتمتع العمال بميزة وقوة مكمنها أن رؤساء المصنع وملاكه يخسرون مالا ويريدون أن يستأنف المصنع العمل. في حين أن الدائنين دائما يريدون من المدينين أن يعجزوا عن سداد القسط الأول فيتسنى لهم فرض غرامات وعقوبات، وتحظى جهات تحصيل الديون المعدومة بأرباح هائلة من جراء العجز عن سداد ديون الطلبة التعليمية. وهذا يثير سؤالا: لو أن إضراب الدين جاء على شكل تشجيع الناس على ألا يقوموا بدفع أقساطهم أو الامتناع عن السداد، فكيف يكون هذا الإضراب فعالا في حين أن صناعة الإقراض سوف ترحب به وتباركه؟
هناك أيضا سؤال العقوبة. فرئيسك في المصنع لا يستطيع أن يستغل ضدك المنزل الذي تعيش فيه بالإيجار، أو الهاتف الذي تستعمله في مدينة بعيدة، لأنك مضرب عن العمل، أم الدائن فيستطيع. ومن ثم فسوف يكون جزء من المشروع متعلقا بالتفكير في طرق جديدة لتخيل الإضراب.
بام: يظهر في الأفق "اليوبيل الدوار" ومن خلاله سوف نقوم بشراء الديون التي عجز أصحابها عن سدادها ونقوم بإلغائها قانونيا. ونحن أيضا في طور تأسيس منظمة دولية شبيهة باتحاد. وبمثل ما تنجح إضرابات المصانع في تحسين الشروط والأوضاع، فإن الانسحاب من نظام الدين يفتح فضاء للمطالبة بالحق في المستقبل.
بيت: مجرد تصور بام لتأسيس "منظمة دولية شبيهة باتحاد" دونما خوف من أن تتم عرقلتها يبين إلى أي مدى ابتعدت حركة "الاحتلال" عن حالة الخوف البين من تقنين أي شيء. ولكن مثل هذا الأمر قد يقتضي من التنظيم قدرا أكبر بكثير من أي شيء وصلنا إليه حتى الآن.
***
ـ هل الحملة المناهضة للدين تمثل جزءا من الحجج المطالبة بدولة رفاه أكثر قوة؟
 جودي:الديون التعليمية والصحية المرهقة ليست إلا نتيجة للتعامل مع الصحة والتعليم تعاملا سوقيا سلعيا. فإذا ما نمت حركة "إضراب الدين" سوف نرى مطالبات برعاية صحية مجانية وجامعات مجانية. وبمجرد أن يكف الناس عن النظر إلى البنوك باعتبارها جهات تربح وتغريم، سوف يتسنى لنا كمجتمع أن نقرر أن عمال القطاع العام، وأنظمة التقاعد، والبنى الأساسية أهم من اللعبة التي يلعبها المصرفيون.
مايك: بوسع "إضراب الدين" أن يكون بمثابة قاعدة لحملة إعادة تأسيس للتعليم والصحة والبنية الأساسية المدنية والمعونات الحكومية للمعوزين بوصفها أجزاء من المشتركات الأساسية بيننا، لا باعتبارها سلعا تقام عليها المزادات فلا يستفيد منها غير القلة.
وهناك تحد يتمثل في أن الحكومة أيضا موجودة في الجانب الآخر من الدين، ووجودها هناك يزداد رسوخا كل يوم، ونفس الأسباب التي تجعل من الحكومة مقدما جيدا للضمان الاجتماعي هي التي تجعل منها محصل ديون بالغ الشر. بوسع الحكومة أن تنتظر حتى أسوأ المقاومين من بين الطلبة المدينين بالقروض التعليمية. وهناك حكايات وحكايات عن مواطنين كبار اضطروا إلى الفقر أو اضطروا للحصول على شيكات الضمان الاجتماعي لسداد أقساط ديون تعليمية لطلبة. إن الإضرابات العمالية تنجح في المصانع لأن ملاك رأس المال يريدون أن تعود مصانعهم إلى العمل، في حين أنه ما من مؤشر على وجود موطن قوة كهذا في حالة الديون التي تقف وراءها الحكومة. وجود قوات الشرطة ضمن جهاز تحصيل الديون يجعل المزيج ساما.
***
ـ قاومت حركة "الاحتلال" حتى الآن فكرة تقديم المطالب. لكن هل يمكن لمطالبة واسعة النطاق بإلغاء الديون أن تدفع الحركة قدما في هذه المرحلة؟
بام: يؤمن كثير منا أن إلغاء بعض الديون أمر محتوم، ولكن السؤال هو ديون من التي سيتم إلغاؤها وديون من التي سوف تبقى. ولكني لا أعتقد أننا سنرى ولو طلبا واحدا، حتى وإن تعلق بالدين، يخرج من "الاحتلال".
بيت: بعد عام واحد على نشوء الحركة، نحتاج إلى التأكيد على الروابط التي صيغت بين أعضاء الحركة العاملين على مختلف القضايا في مختلف مناطق العالم. فكيف لنا أن نفعل هذا بدون مطالبات؟ ليس علينا أن نخاف من تقديم "مطالبات صغيرة" تحت راية "الاحتلال" العريضة الكبيرة، سواء كنا من الطلبة المدينين والمقاومين أو ناشطين بيئيين مقاومين للطاقة النووية. نحن، جميعنا معا، نطالب بعالم أكثر عدلا، وأقدر على البقاء.



نشر الموضوع أصلا في الثامن من نوفمبر ونشرت الترجمة اليوم في الملحق الاقتصادي لجريدة عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق