الأحد، 20 ديسمبر 2009

نعوم تشومسكي: حتى نعيش معا في سعادة

نعوم تشومسكي: حتى نعيش معا في سعادة


حوار: جون وتني

لو أن ثمة نغمة تتردد على ألسن منتقدي نعوم تشومسكي، فهي بلا شك عن إفراطه في القسوة على أمريكا وإفراطه في اللين مع خصومها. أما عن الانتقاد الأول، فهو ـ بطبيعة الحال ـ صنعته. في حين لا توجد على المثال الثاني إلا أمثلة محدودة (وإن تكن مهمة).

جورنيكا: تهاجم منذ وقت طويل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية. ما الجديد في كتابك القادم "آمال وتوقعات"؟ أم يمكننا القول بأنك تعيد الاشتغال على فرضية قديمة مستخدما أمثلة جديدة؟

نعوم تشومسكي: هناك أشياء جديدة تحدث. ولكنني لا أظن أن المبادئ التي تقوم عليها الشئون الدولية أو النظام الاجتماعي أو الطموحات المستقبلية قد شهدت تغيرا ذا شأن. بل إنها لم تتغير منذ وقت طويل في واقع الأمر.

جورنيكا: هل يعني هذا أن منهجك كناقد لم يكن فعالا؟

نعوم تشومسكي: بالعكس، لقد كان فعالا للغاية، من نواح سبق أن ناقشتها مرارا، وبإسهاب، حتى وإن لم تصل الفعالية إلى حد إحداث تغييرات أساسية في المبادئ التأسيسية وقواعدها المؤسساتية.

جورنيكا: من الأشياء التي لا تتغير مطلقا في كتاباتك أنك تتأمل الآثار التدميرية التي تنطوي عليها سياسة الولايات المتحدة الخارجية. نحن هنا في الولايات المتحدة نقول لأنفسنا طوال الوقت، ويقول لنا قادتنا طول الوقت إننا "خيرون". فمهما تكن الدوافع، تكون نوايانا دائما خيرة.

نعوم تشومسكي: أنظمة السلطة لا تتحلى بالنوايا الخيرة. ستجد في التاريخ بين الحين والآخر دكتاتورا خيرا أو ملكا يضع مصالح الشعب نصب عينيه. ولكن بنيات السلطة ـ بصفة عامة ـ لا علاقة لها بالأخلاق. فنحن لا نبحث عن النوايا الطيبة. طبعا هم جميعا يعلنون عن نوايا طيبة. ولكن ذلك ينطبق أيضا على هتلر.


جورنيكا: هل "بنيات السلطة" لا أخلاقية amoral أم فاسدة الأخلاق immoral؟


نعوم تشومسكي: بنيات السلطة لاأخلاقية. خذ مثلا الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الأمريكية الذي قد يهتم كثيرا بأن يعيش حفيده في عالم لائق. ولكنه بوصفه الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الأمريكية يعمل على أن يجعل ذلك أمرا مستحيلا، باتباعه السياسات التي تتبعها المؤسسة حاليا. فهم يعملون على إيجاد سبل لمحاكاة نجاح صناعة التأمين بهدف تقويض أي إصلاح صحي. وقد أعلنوا بأنفسهم قائلين "إننا سنحاول أن نتعلم التكتيكات التي اتبعها القائمون على صناعة التأمين لوقف أي مشروع قانون للطاقة أو للبيئة". هو الآن يعرف (فهو ليس أحمق) أن ذلك قد يفضي إلى كارثة خطيرة قد تقضي على مستقبل حياة أحفاده الذين يحرص عليهم كل الحرص. ولكنه كمدير لمؤسسة بترولية لا يمكن أن يراعي هذا. ولو فعل لما استمر في منصبه.

جورنيكا: كتبت تقول إن للشركات تلك الحقوق فوق البشرية وإن المستثمرين يرغمونها ـ وكذلك القوانين ـ على الاستفادة من كل ميزة لتعظيم الأرباح إلى أقصى حد. ولكنك تكلمت للتو عن لاأخلاقية بنيات السلطة، يبدو لي أن كتاباتك تطالبها بأن تكون أخلاقية، أليس كذلك؟

نعوم تشومسكي: أنا لا أتوجه إلى الرؤساء التنفيذيين للشركات أو إلى الرئيس أوباما أو من شاكل أولئك. أنا أتوجه إلى الناس، أقول لهم "انظروا، إن لديكم الكثير من الفرص. يمكنكم أن تؤثروا، وأن تغيروا، وأن تتغير بالتبعية تصرفات بنيات السلطة، بل سوف تذوب بنيات السلطة نفسها بالتبعية".

جورنيكا: وما تلك التغيرات التي أشرت إلى قدرتها على تذويب بنيات السلطة؟

نعوم تشومسكي: انظر إلى التفكيك الممنهج للقدرات الصناعية ـ من قبيل مصانع جنرال موتورز ـ الذي يتم في الوقت الذي نرى فيه أن وزير النقل في إدارة الرئيس أوباما موجود بالخارج للتعاقد مع شركات أسبانية على توفير وسائل نقل فائقة السرعة يمكن إنتاجها هنا لو تم تحويل المصانع الجاري تفكيكها وتسريح قوتها العاملة المدربة. قد يقتضي الأمر استيلاء المستفيدين ـ أي العمالة والمجتمعات المرتبطة بها ـ على المنشآت. ولا يوجد مبدأ اقتصادي يمنع هذا، ويمكن لشيء كهذا أن يتم من خلال وعي كفء وتأييد شعبي.

جورنيكا: هناك جماعة لا تتوقع منها الكثير كوسيط بيننا كشعب وبين "بنيات السلطة" وهي جماعة المثقفين. في كتابك "مسئولية الـ ..."

نعوم تشومسكي: أولئك الذين نصفهم بالمثقفين ليسوا بالضرورة أكثر ذكاء أو معرفة من سواهم. ولكن يتصادف أن يحظوا بالكثير من المزايا، والمزايا تستوجب المسئولية. لذلك ينبغي أن يفعلوا شيئا. ولكني لا أتوقع منهم القيام به.

جورنيكا: وصفت "عجز الطبقات المتعلمة عن استيعاب ما تقوم به" بأنه "ظاهرة عالمية تاريخية"

نعوم تشومسكي: أمر قريب من هذا

جورنيكا: وتشير إلى مقال في نيو يورك تايمز قال فيه الكاتب ـ على حد ما كتبت أنت ـ إن "المحامي الدستوري نوح فيلدمن وصف انحدار أسامة بن لادن إلى المزيد والمزيد من الشر على مدار السنين إلى أن بلغ أشد المستويات دنوا حينما تبنى الزعم الفاسد بأنه ما دامت الولايات المتحدة دولة ديمقراطية فإن جميع مواطنيها مسئولون عن أفعالها، وبالتالي يصبح المدنيون أهدافا مشروعة" ما دلالة هذا؟

نعوم تشومسكي: الدلالة تكمن فيما تلاه مباشرة. فقد أقيمت انتخابات في فلسطين، وهي في واقع الأمر أول انتخابات حرة فعلا في العالم العربي، وبعد يومين من نشر مقال نوح فيلدمن، كتب ستيفن إرلانجر على الصفحة الأولى من نيو يورك تايمز يقول صراحة إن حكومة الولايات المتحدة قررت معاقبة شعب فلسطين على تصويته بطريقة خاطئة في انتخابات حرة. وذلك يجعل أسامة بن لادن يظهر مدجنا تماما. وتلك أشياء ظهرت متجاورة، ولكن أحدا لا يلاحظ ذلك.

جورنيكا: هل أكون محقا حين أقول إنك لا تفرق تفريقا جوهريا بين "إرهاب" الولايات المتحدة ـ وأعني تدخلاتها ـ وبين إرهاب القاعدة على سبيل المثال؟

نعوم تشومسكي: صح. إرهاب الولايات المتحدة في الغالب أسوأ بكثير لأنها دولة قوية. انظر إلى الحادي عشر من سبتمبر. ذلك كان هجوما إرهابيا حقيقيا. ولكنهم يشيرون إليه في أمريكا اللاتينية باعتباره "الحادي عشر من سبتمبر الثاني" إذ إن لديهم حدثا سابقا هو الذي كان في الحادي عشر من سبتمر لعام 1973.

جورنيكا: في تشيلي

نعوم تشومسكي: افترض أن القاعدة لم تقم بتفجير مركز التجارة العالمي، ولكنها بدلا من ذلك قصفت البيت الأبيض بالقنابل، فقتلت الرئيس، وأقامت بدلا منه دكتاتورية عسكرية قتلت ربما خمسين ألفا أو مائة ألف إنسان وعذبت مثلا سبعمائة ألف آخرين، وأقامت مركز إرهاب دوليا في واشنطن تخصص في الإطاحة بالحكومات حول العالم ووضع دكتاتوريات فاسدة بدلا منها، وأتت بزمرة من رجال الاقتصاد فانتهوا بالعالم إلى أسوأ كارثة اقتصادية في التاريخ كله. أعتقد أن ذلك كان سيكون أسوأ مما نطلق عليه الحادي عشر من سبتمبر. وذلك حدث، وحدث بالتحديد في 11/9/1973. كل ما حدث أني غيرت الأرقام إلى ما يعادلها اليوم، وهي وسيلة قياس نموذجية. حسن، ذلك الذي حدث عام 1973 نحن كنا مسئولين عنه. لذلك أقول نعم، إنه أسوأ بكثير.

جورنيكا: بعض منتقدي سياسة الولايات المتحدة الخارجية ينادون بتعريف مقبول دوليا للإرهاب ليتم تعميمه على وسائل الإعلام والحكومات إلى آخر ذلك

نعوم تشومسكي: أتفق مع هذا. لقد أعلن ريجان حربا على الإرهاب عام 1981، وقال إن ذلك سوف يكون جوهر سياستنا الخارجية. ومنذ ذلك الحين وأنا أكتب عن الإرهاب مستخدما التعريف الرسمي الذي يرد في القانون الأمريكي، وفي الكتيبات العسكرية، بل وفي القانون البريطاني أيضا. وهو تعريف جيد للغاية. ولكن هذا بات خطرا اليوم. والسبب هو أنك حينما تستخدم التعريف الرسمي، فإنه سرعان ما ينطبق على الولايات المتحدة بوصفها دولة إرهابية رائدة. وهذه النتيجة الآن تعد نتيجة "خاطئة" لذلك لا نستطيع استخدام هذا التعريف. وقد عقدت مؤتمرات أكاديمية وألفت كتب ضخمة في محاولة لوضع تعريف مناسب للإرهاب، وعلى التعريف "المناسب" أن يحقق شرطا محددا للغاية. إذ عليه أن يستوعب الإرهاب الذي يمارسونه علينا ويستبعد الإرهاب الذي نمارسه نحن عليهم.

جورنيكا: صح أم خطأ: لم يفقنا أحد في مواجهة شيوعية الاتحاد السوفييتي المستبدة؟

نعوم تشومسكي: لا أعرف ما الذي تقصده بـ "شيوعية الاتحاد السوفييتي المستبدة". لقد كان ذلك شكلا معينا من أشكال الاستبداد، شكلا كان يقع خارج نطاق سيطرة الولايات المتحدة، وكان يعد نموذجا للآخرين، لذلك كان من الطبيعي أن تواجهه الولايات المتحدة، وإن لم تفعل ذلك حينما كان على ذلك النموذج أن يواجه صدمة الحرب على النازية. كما أن الولايات المتحدة واجهت أيضا دولا ديمقراطية وكثيرا ما أطاحت بحكومات ديمقراطية واستبدلت بها أخرى استبدادية. وقد دعمت ولا تزال تدعم حكاما مستبدين. سؤالك صيغ بصورة خاطئة وليس من الممكن أن يجاب عليه.

جورنيكا: الشيوعية السوفييتية ـ ألا تعرفها؟

نعوم تشومسكي: أعرف ما أظنه عنها، وما هي إياه منذ العام 1918: أعرف أنها أعنف هجمة على الشيوعية/الاشتراكية باستثناء النازية. ما لا أعرفه هو ما تظنه أنت عنها.

جورنيكا: تعريفك يبدو جيدا. وصفت مجلة أوتني Utne أعمالك بأنها تنطوي على "إحساس طاغ بالغضب المستعر". أتساءل: حينما تحلل بعنايتك المعهودة ما فعلته بلدك في أماكن مثل تشيلي وفييتنام والعراق، وغيرها، وحين تسرد أرقام الضحايا من الأبرياء والمدنيين الصرعى، وحين تنقل تلك المقتطفات الغاضبة عن أعضاء في الحكومة ورؤساء لشركات، ماذا يكون إحساسك؟ أعرف أنه الغضب. ولكن ماذا أيضا؟ الإحساس بالعار؟ بالذنب؟

نعوم تشومسكي: كل ذلك، الإحساس بالذنب وبالعار، لأن بوسعنا أن نفعل الكثير، ولكنني لم أفعله. وأشعر بالغضب أيضا لأن الأمر مثير للغضب. وأشعر بالقرف من النفاق الذي يتم التقنع به. ولكن لا معنى للكشف عن كل تلك المشاعر. يمكنني أن أتكلم عنها مع زوجتي وأصدقائي. ولكن ما جدوى الحديث عنها علنا؟ لا طائل من وراء ذلك.

جورنيكا: ولكن تلك المشاعر ترد في كتابتك كنص مواز.

نعوم تشومسكي: ربما. وهو يغضب مؤيدي عنف الدولة غضبا شديدا، الحقيقة أنه يصيبهم بالحنق حين يظهر.

جورنيكا: ماذا تقصد؟

نعوم تشومسكي: حينما يظهر، يصيب أحيانا بالحنق. حدث أن كنت في إنجلترا قبل يومين لإجراء جوار مع بي بي سي. كان من الأشياء التي جاء بها المحاور قول لي يبين كم أنا شخص فظيع بصورة لا تضاهى. القول هو "إن المرء ليتساءل عما لو كان ما تحتاج إليه الولايات المتحدة الآن هو من يعارضها أم من ينزع عنها النازية". وتلك عبارة معيبة للغاية، وهي تبين أي مجنون أنا. فما كان مني إلا أن سألته السؤال الذي اعتدت طرحه حين تقتضي الظروف. قلت له: "هل قرأت السياق الذي ورد فيه هذا القول؟". وبالطبع لم يكن قد قرأه. فقلت له "حسن، ليكن، إليك السياق". أثناء حرب فييتنام، أقام متحف شيكاغو للعلوم تمثيلا لقرية فييتنامية وأتاح للأطفال أن يقفوا خارجها حاملين البنادق ويصوبوا على القرية محاولين قتل أهلها. فأثار ذلك مظاهرة للأمهات، مظاهرة صغيرة، احتجاجا منهن على هذا الأمر. ونشرت نيويورك تايمز مقال إدانة، لا إدانة للمعرض، بل للأمهات، لأنهن يحاولن أن يحرمن الأطفال من تلك المتعة. وفي ذلك السياق قلت "وإنك لتتساءل أحيانا عما إذا كان المطلوب هو مجرد اعتراض أم هو عمل يزيل النازية".

جورنيكا: كتبت تقول إن العراقيين مستبعدون استبعادا تاما من عملية اتخاذ القرارات الخاصة ببلدهم ...

نعوم تشومسكي: وكذلك الفييتناميين، وأبناء أمريكا الوسطى، وقائمة طويلة من الشعوب. الحقيقة أننا لا نكترث لهم مطلقا. لو أنك تستمع إلى الإذاعة الوطنية العامة وقد تصادف أنني سمعتها بالأمس حيث كانوا يناقشون ما ينبغي القيام به في أفغانستان. وطلبوا من واحدة من مراسليهم أن تعلق على تكلفة الحرب. فخاضت في تكاليف الحرب، مشيرة إلى مئات عديدة من بلايين الدولارات، ثم أشارت إلى أبهظ التاكليف قاطبة، وهي مصرع ألف جندي أمريكي، وانتهى النقاش. أنا الآن أسأل: أهذه هي التكلفة كلها؟ ألم يتكبد الأفغان أية تكاليف؟

جورنيكا: من "الآمال" المنطوية على مفارقة صارخة تلك المفارقة المتمثلة في مفردة "الأمل" حين يستخدمها رافعو "علامة أوباما التجارية". يبدو أن علامة أوباما التجارية تستخدم في تهدئة الأمريكيين ودعم زعمهم بأنه طالما أننا انتخبنا رئيسا نصف أسود، فلا بد من التوقف عن وصمنا بالعنصرية، فهذا دليل دامغ على نبل أهدافنا وحسن طويتنا. ولكنك تشير إلى بلاد أخرى مثل الهند وبوليفيا وغيرهما بوصفها بلادا وصل فيها غريب إلى الحكم بالانتخاب.

نعوم تشومسكي: هذا يحدث في أجزاء كثيرة من أمريكا اللاتينية. بوليفيا حالة دراماتيكية بصفة خاصة. ولكن الأمر صحيح أيضا في حالة البرازيل. فالرئيس في البرازيل مزارع، وعامل صلب، ونقابي، ولم يلق قدرا كبيرا من التعليم. والذي وصل به إلى السلطة لم يكن إلا تلك الحركات الشعبية واسعة النطاق. لم يكن الأمر يتعلق بسياساته على الإطلاق، بل إن هذه الحركات تنتقدها انتقادا واسعا. ولكن جزءا من القاعدة الانتخابية يتمثل في حركة عمال بلا أرض والتي قد تكون أهم حركة شعبية في العالم. والأمر نفسه يحدث في أماكن أخرى. مقارنة أمور كتلك مع النظام الذي لدينا نحن قد يفضي بنا إلى فهم أفضل لحقيقة هويتنا وحقيقة ما نمثله.

جورنيكا: هل أنت وهوجو تشافيز صديقان؟

نعوم تشومسكي: لقد التقينا على أساس من المودة، ولكنني أعتقد أنك ينبغي أن تسأل نفسك لم توجه هذا السؤال، بدلا من أن تسأل عما إذا كان الرئيس البرازيلي لولا Lula (لويز إيناسيو لولا دا سيلفا) وكوريا (الرئيس الاكوادوري رفائيل كوريا)، وغيرهما أصدقاء لي. أعتقد أننا نعرف الإجابة، ولكن قد يكون من المفيد بالنسبة لك أن تفكر في الأمر بمزيد من الاعتناء.

جورنيكا: أنا لا أعرف أحدا من هؤلاء رفع أحد كتبك وأحدث لها المزيد من الرواج على مستوى المبيعات

نعوم تشومسكي: هذا ليس إجابة على سؤالي. كونه رفع أحد كتبي لا يكشف مطلقا عما إذا كنا صديقين. نحن لم نلتق مطلقا. وأنا سبق لي أن امتدحت هيوم، ولكن ذلك لا يعني أننا صديقان. السؤال مطروح حول تشافيز، ولكن أحدا لم يطرح السؤال بالنسبة لـ لولا (الذي أعرفه أكثر مما أعرف تشافيز) أو كوريا (الذي قضيت معه بضع ساعات ليس أكثر) أو كثيرين غيرهما ممن هم في قلب المد الوردي، وذلك لأن تشافيز هو الذي تصوره بروباجندا الإعلام الرسمي بوصفه شيطانا. وأنا لا أقبل هذا. ولا ينبغي لك ـ فيما أظن ـ أن تقبله.

جورنيكا: أنت قلت حالا إنك التقيت به. والآن تقول إنكما لم تلتقيا قط؟ لو نحينا رد فعلك العدائي جانبا، يسرني أن أتيح لك لحظة توضح لنا فيها لماذا لا ينبغي أن نقبل بروباجندا الإعلام الرسمي ضد تشافيز

نعوم تشومسكي: أنا لم أكن قد التقيت به حينما رفع كتابي في الأمم المتحدة. لكنني بعد ذلك قضيت معه بضع ساعات، شأنه شأن كوريا، بينما وضع لولا مختلف تماما، فقد قضيت معه أياما عديدة وعرفته أكثر بكثير مما عرفت الآخرين. وأنا آسف لما بدا أنه رد فعل عدائي من تجاهي. الأمر أنني أعتقد أننا ينبغي أن نسأل أنفسنا لماذا يثار هذا السؤال فيما يتعلق بتشافيز وليس كوريا أو لولا أو حتى عن موراليس الذي لم ألتق به وإن كتبت عنه أكثر مما كتبت عن تشافيز بكثير.

جورنيكا: في كتابك الجديد توجه نقدا كبيرا لأوباما حول مجلسه الوزاري واحتواء إدارته على شخصيات شبيهة برجال المال في شارع وول ستريت. وتزعم كذلك في الكتاب أن سياسات الليبرالية الجديدة والسوق الحرة التي نوصي الآخرين بضرورة اتباعها، هي سياسات لا نكتفي نحن بعدم اتباعها، بل هي سياسات غير نافعة أصلا، من حيث مستوى المعيشة الذي تؤدي إليه وسياسات الأجور إلى آخر ذلك كله. بل إنك تقول إن سياسات الحمائية protectionism فعالة وتضرب بعض الأمثلة على ذلك، مثل رونالد ريجان وكوريا الجنوبية.

نعوم تشومسكي: آدم سميث وجه نصيحة للمستعمرات الأمريكية في القرن السابع عشر. فقد نصح تلك المستعمرات باتباع المبادئ الاقتصادية القديمة، وهي لا تختلف عن الليبرالية الجديدة. وهي في واقع الأمر، مماثلة للسياسات التي يوصي علماء الاقتصاد العالم الثالث باتباعها في يومنا هذا. قال للقائمين على المستعمرات: تمسكوا بمزاياكم التنافسية، ولم يكن اصطلاح "الميزة التنافسية" قد صيغ بعد، عليكم بإنتاج ما أنتم بارعون في إنتاجه، ولم يكن يزيد عن صيد السمك، والصيد من أجل الفراء، وزرع المحاصيل الغذائية، وصدِّروا لنا ذلك في إنجلترا. واستوردوا منا المصنوعات البريطانية الراقية. ولكن الولايات المتحدة حصلت على استقلالها، فلم تصر مرغمة على اتباع النصيحة، وبالفعل لم تتبعها. وسرعان ما أقامت في ظل حكم ألكسندر هاملتن حواجز حمائية في محاولة لمنع استيراد المصنوعات البريطانية الراقية كالنسيج، ثم الصلب البريطاني فيما بعد. وفي ظل حماية تلك الحواجز أقامت الولايات المتحدة قاعدتها التصنيعية، وفي ظل تدخل كبير من الدولة. إليك القطن على سبيل المثال، وكان وقود الصناعة الأمريكية. حسن، كيف تسنى للأمريكيين أن ينتجوا القطن؟ بادئ ذي بدء، عن طريق إبادة السكان الأصليين. ثانيا، عن طريق العبودية. وتلك تدخلات سافرة في السوق. ولكنها، نعم، نجحت.

جورنيكا: إذن أن تهدف من هذا إلى ...

نعوم تشومسكي: أنا لا أوصي بالحمائية. كل ما أقوله هو: فلنكن أمناء. وقبل أن نعظ الآخرين، علينا أن نكتشف حقيقة ما نقوم به نحن أنفسنا. وانظر إلى مثال رونالد ريجان الذي ذكرته أنت. أليس يعد القس الأعظم للسوق الحرة. حسن، لقد كان في واقع الأمر أكثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ممارسة للسياسات الحمائية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

جورنيكا: إذن ما الذي توصي به؟

نعوم تشومسكي: أعتقد أنه ينبغي اتخاذ القرارات بطريقة مختلفة تماما من أجل التوصل إلى نتائج مختلفة كل الاختلاف. هل ينبغي أن يكون إنتاج المزيد من السلع واستهلاك المزيد من السلع هما القيمة العليا في الحياة؟ هذا ليس واضحا على أي نحو كان.

جورنيكا: وما البديل؟

نعوم تشومسكي: أن نعيش الحياة اللائقة، في بيئة توفر للناس احتياجاتها الأساسية، وتوفر لهم فرصة أن يكونوا مبدعين، ونشطين، وأن يعملوا معا متضامنين، فيعيشوا حياة سعيدة خلاقة. هذا فيما أظن هدف أهم.

جورنيكا: إليك أحد منتقدي أعمالك، وهو نيك كوهين الذي كتب في الجارديان يقول إن "الدرس المستفاد من الحادي عشر من سبتمبر هو أنه ما من مانع أخلاقي أو ضميري قد يردع القاعدة عن استخدام سلاح نووي. أي أنه لو كان الخطأ كله خطأنا نحن كما يقول تشومسكي فقد نمنع هذه الكارثة إن نحن صرنا أرق في تعاملنا مع الشعوب. ربما يكون هذا بوسعنا، ولكن تشومسكي لا يريد أن يعترف أن القاعدة حركة ذاتية المنطلقات مثلما يرفض الاعتراف بوجود معارضة اشتراكية ديمقراطية لصدام حسين".

نعوم تشومسكي: إنهم يذكرون شخصا يحمل اسما مثل اسمي. ولكنه لا يمت بأي صلة لما أقوله أو أومن به. ما اسمه هذا الشخص الذي نقلت عنه؟

جورنيكا: نيك كوهين في الجارديان.

نعوم تشومسكي: آه، نيك كوهين مجنون. ولو لاحظت جيدا، لوجدت أنه لا يحدد أي شيء. هل يشير إلى أي مرجع؟ هذا وحده يعطيك جوابا. عد إلى ما كتبه وتحقق بنفسك. هذه محض افتراءات وتخرصات. وهي لا تهمني مطلقا.

جورنيكا: النقطة الأهم هي أن هناك مجانين أخذوا من شيوخهم تصاريح باستخدام أسلحة نووية ضد المدنيين.

نعوم تشومسكي: نعم، هناك أولئك. وينبغي أن نحاول منع ما يريدون. وهناك وسائل للمنع، وأنا أناقش هذه الوسائل، ولكنها غير وسائله. وسائله تقتصر على قصف الجميع بالقنابل. أما أنا فأعتبر هذه وسيلة لزيادة الإرهاب. بل إنها بالفعل زادت الإرهاب.

جورنيكا: زادت الإرهاب إلى سبعة أضعاف ما كان عليه، أنت كتبت هذا مستشهدا بتحليلات لحرب العراق.

نعوم تشومسكي: ولكن لم يعجبه ما كتبته، لذلك سوف يظل يصرخ ويصيح ويفتري. فلماذا تلتفت إليه؟ هل تقرأ محاضر اجتماعات الحزب الستاليني؟

جورنيكا: لا

نعوم تشومسكي: طيب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق